لقد استطاعت وسائل الإعلام الحديثة أن تتحول إلى عصب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية بشكل تجاوزت فيه كافة حدود التصورات مما ترتب عليه أن أصبحت هذه الوسائل صاحبة النفوذ الأكبر في تحريك الرأي العام وتكوين العقول وتشكيل الاتجاهات ودعم أو هدم الأنظمة السياسية و البنى الثقافية و الأخلاقية .
ويلعب الإعلام أدواره المتعددة والمميزة أثناء فترة الانتخابات من خلال ما يوفره من توعية للناخبين بأهمية دورهم في العملية الانتخابية وبما يبلغه من أصوات للمرشحين وبرامجهم الانتخابية حيث لا يقتصر أداء وسائل الإعلام أثناء فترة الانتخابات على نشر وعود المرشحين فقط بل لابد لهم من توصيل صوت الناخبين وآمالهم، وبالتالي يكون دورهم الأهم متمثلاً في التوعية الانتخابية ونشر آراء الجمهور وتطلعاته، كذلك تبليغ أصوات وطرح قضايا من لهم آراء خاصة بالعملية الانتخابية لا التهجم عليهم أو تجاهلهم وعدم الاهتمام بهم..فلا يكون الإعلام نزيهاً اذا ما استفاض بالهتاف والتصفيق لفئة أو طرف سياسي دون غيره.
المعايير الدولية الخاصة بالإعلام في فترة الانتخابات:
هناك بعض المعايير التي تم استخلاصها من مبادئ قانونية تم الالتزام بها، عملت على ضبط أداء الإعلام في فترة الانتخابات الإعلام وتطورت هذه الضوابط القانونية من خلال الممارسات الدولية والإقليمية لتأخذ شكل الإطار القانوني و الأخلاقي العام بنيت هذه المعايير أساسا من بمبدأين أساسيين من المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الديمقراطية هما :
1ـ مبدأ حرية الرأي والتعبير.
2ـ مبدأ الانتخابات الحرة، والمشاركة السياسية.
وبناءً عليه حددت المعايير الخاصة بالإعلام أثناء فترة الانتخابات على النحو التالي:
1ـ عدم احتكار أي جهة لوسائل الإعلام الحكومي.
2ـ على الصحافة أن تفسح المجال أمام كل المظاهر الوطنية، وأن تضمن جميع الآراء المختلفة، وأن لا تتبع سياسة الإقصاء لأية فئة على حساب الأخرى.
3ـ على الدولة أن تفسح المجال لتوفير المعلومات اللازمة للناخبين في الإعلام قبل الانطلاق للحملة الانتخابية.
4ـ وقف الرقابة على بث أو نشر البرامج الانتخابية لجميع الفرقاء (كتل وأحزاب وأفراد)، وعلى الإعلام أن يشجع على نشر كل ما هو متعلق بالانتخابات بما فيها الآراء التي تنتقد عمل الحكومة.
5ـ على وسائل الإعلام أن توفر كل المعلومات المتعلقة بالمرشحين وقضاياهم المطروحة في فترة الانتخابات، وكذلك متابعة كل الإجراءات المتبعة أثناء فترة الاقتراع، مع التأكيد على الدور المتوازن والموضوعي للإعلام بهذا الخصوص .
6ـ يحظر مقاضاة وسائل الإعلام إذا قامت بدورها النقدي اتجاه بعض المرشحين، أو ممثلين للأحزاب والكتل والأفراد، مع الاحتفاظ بحق الرد وضمان التصحيح، مع الأخذ برأي جهة مستقلة في الحكم والتعويض.
7ـ يحتم على وسائل الإعلام الفصل فيما بين النشرات الإخبارية والندوات المتعلقة بنشاط أو مهام أعضاء الحكومة، خاصة عندما يكون هؤلاء مرشحين للانتخابات.
8ـ توزيع الحصص المباشرة وبصفة عادلة للأوقات والمساحات لعرض البرامج الانتخابية، وتمكين الناخبين من معرفة القضايا المطروحة ومواقف الأحزاب منها، وقدرات المرشحين من حلها.
9ـ توفير الأجواء الملائمة للصحفيين ولكافة شرائح المجتمع لتوجيه الأسئلة ومناقشة المرشحين والساسة ممثلي الكتل المرشحة. وكذلك توفير الأجواء الملائمة للمرشحين للمناقشة والتداول فيما بينهم.
10ـ يتحمل الإعلام الحكومي مهمة التوعية الانتخابية، من خلال توفير كل المعلومات المتعلقة بالحق الانتخابي وإجراءات عملية الاقتراع ووظائف الأطراف المعنية بالانتخابات.
11ـ على الإعلام أن يراعي تمثيل جميع فئات المجتمع اللغوية والعرقية والدينية والجنسية.
قانون الانتخابات العام في سوريا و الإعلام في فترة الانتخابات :
و جاءت القوانين السورية قاصرة في هذا المجال حيث وباستثناء ما ورد في المادتين 24 و25 منه فيما يتعلق بالدعاية الانتخابية فان هذا القانون قد أغفل تحديد شروط الحملة الإعلانية للمرشح كما إننا لا نجد فيه أي تأكيد على وجوب منح جميع المرشحين الفرص المتساوية للإعلان عن ترشيحهم سواءً في وسائل الإعلام الرسمية أو غيرها. خاصة وأنه لم يتطرق للإعلان في الصحف أو في وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة. و اكتفى عمليا بفرض رقابة مسبقة على النشرات و البيانات الخاصة بالمرشحين حيث يطلب تسليم ثلاث نسخ منها إلى المحافظ قبل نشرها فالمادة 24 نصت على أن :
” أـ للمرشح بعد استلام الوصل النهائي أن يذيع نشرات بإعلان ترشيحه وبيان خطته وأهدافه وكل ما يتعلق ببرنامج أعماله ، وعلى أن يكون موقعاً من قبله و أن يقدم ثلاث نسخ من هذه النشرات والبيانات للمحافظ.
ب ـ توقف الدعاية الانتخابية قبل 48 ساعة من التاريخ المحدد للانتخاب.
ج ـ تحدد محافظة دمشق والبلديات أمكنة خاصة للصق الصور والبيانات والنشرات الانتخابية، ويمنع لصقها على جدران الأبنية العامة والخاصة. خارج الأماكن المخصصة لها، كما تمنع كتابة أسماء المرشحين أو أية دعاية انتخابية على الجدران..”.
أما المادة 25 ” يسمح خلال فترة الدعاية الانتخابية بعقد اجتماعات انتخابية وفقاً للقوانين والأنظمة النافذة والتعليمات التي يصدرها الوزير”.
ومن المفيد الإشارة إلى التعديل الذي طرأ على المادة 24 من هذا القانون بالمرسوم التشريعي رقم 66 لعام 2007 والذي تم بموجبه تحديد سقف إنفاق المرشح على الدعاية الانتخابية لانتخابات مجلس الشعب بثلاثة ملايين ليرة سورية في محاولة نظرية للمساواة بين جميع المرشحين .
مراقبة أداء الإعلام في فترة الانتخابات التشريعية :
في ظل عدم وجود أي دراسات علمية منهجية مستقلة كانت أو حكومية تتناول أداء الإعلام السوري و مدى التزامه بالمعايير الدولية للإعلام في فترة الانتخابات قام المركز السوري للإعلام و حرية التعبير(S C M) بالتعاون مع المنظمة الدولية لدعم الإعلام , (I M S) و المجموعة العربية لمراقبة أداء الإعلام (AWG)و معهد العالم المفتوح (OSI) بإجراء مراقبة لبعض وسائل الإعلام السورية في الفترة الممتدة من 5-4-2007 حتى إغلاق صناديق الاقتراع في الساعة 14 من يوم 23-4-2007 خضعت لعملية المراقبة – وفق الأسس العلمية و المعايير المتبعة دوليا في هذا المجال – مجموعة من وسائل الإعلام الحكومية و الخاصة من الإعلام المرئي و المكتوب و المسموع. و نظرا لتعاظم دور الإعلام الالكتروني و تأثيره الكبير في شريحة واسعة من المواطنين السوريين فقد تم إدراج بعض المواقع الإعلامية الالكترونية في عملية مراقبة أداء الإعلام في فترة الانتخابات كتطوير للجهود المبذولة عربيا و عالميا في مجال الإعلام و الانتخابات و قد تم اعتماد معايير و استمارات أعدت خصيصا لتنسجم مع الطبيعة الخاصة بالانترنت. و قد بلغ عدد وسائل الإعلام الخاضعة لعملية المراقبة 20 وسيلة توزعت على الشكل الآتي:
5 صحف حكومية يومية و هي: الثورة , تشرين , الجماهير , الوحدة , الفرات .
2 صحف خاصة يومية وهي: الوطن , بلدنا .
4 صحف خاصة اسبوعية و هي : ابيض و اسود , الاقتصادية , بقعة ضوء , الاجتماعية .
2 قناة تلفزيونية حكومية و هي: القناة الفضائية السورية , القناة الأرضية الأولى .
2 محطة إذاعية حكومية و هي : إذاعة دمشق , صوت الشباب .
5 مواقع الكترونية خاصة و هي : صدى سوريا , سوريا الغد , سوريا نوبلز , سوريا نيوز , الجمل .
وبلغ إجمالي المواد الإعلامية الخاضعة لعملية الرصد و التقييم و الدراسة ( 16017 ) مادة إعلامية توزعت على الشكل الآتي:
– الصحف اليومية الحكومية 4266 مادة – الصحف اليومية الخاصة 1371 مادة – الصحف الخاصة الاسبوعية 921 مادة – القناة الفضائية السورية 2193 مادة – القناة الأرضية الأولى 2363 مادة – إذاعة دمشق 1266 مادة
صوت الشباب 234 مادة – المواقع الالكترونية 3403 مادة
و تم اختيار 27 جهة خضعت للرصد. وقد تم تحديد هذه الجهات بحيث تغطي معظم الفئات و التلوينات السياسية والدوائر الانتخابية في سوريا وفق مقتضيات الصيغة السياسية السورية الفريدة و البالغة التعقيد و التي تمتاز بتداخل مفهوم الحزب الحاكم مع مفاهيم الدولة و الحكومة .
وقد تم إجراء 17 حوار على هامش عملية المراقبة مع مجموعة من الصحفيين و المرشحين ( 11 صحفي و 6 مرشحين ) من مختلف الاتجاهات بغية استطلاع آرائهم حول ممارسة الإعلام و دوره في العملية الانتخابية ومدى تطابقه مع المعايير الدولية.
نتائج عملية مراقبة أداء الإعلام السوري في فترة الانتخابات التشريعية :
1- بدأ بعض المرشحين المستقلين الحملة الإعلامية للانتخابات قبل الموعد المحدد لذلك بتسعة أيام أي حتى قبل إصدار أسماء المرشحين المقبول ترشيحهم من قبل اللجنة العليا للانتخابات .
2- لم تمنح وسائل الإعلام الحكومية أي مساحات حرة مجانية للمرشحين المستقلين .
3- ظهر جليا تسخير وسائل الإعلام الحكومية في الدعاية لصالح الحزب الحاكم و الجبهة المتحالفة معه .
4- ظهر تحيز وسائل الإعلام الحكومية بشكل واضح لصالح الحزب الحاكم حتى أمام بقية الأحزاب المتحالفة معه بالجبهة الحاكمة .
5- لوحظ نشاطا مميزا للمسؤولين الحكوميين و غزارة في الإعلان عن المنجزات الحكومية و المشاريع و القوانين و المراسيم .
6- قام بعض المسؤولين الحكوميين الذين ترشحوا للانتخابات بتسخير وظائفهم الحكومية في الحملة الانتخابية .
7- لم تحظ الفئات السياسية و الأفراد الذين قاطعوا الانتخابات بأي فرصة للتعبير عن مواقفهم أو آرائهم و تم تجاهلهم تماما في جميع وسائل الإعلام الحكومية و معظم وسائل الإعلام الخاصة.
8- لوحظ استخدام وسائل الإعلام الحكومية للتهجم المباشر على المقاطعين للانتخابات و نعتهم بالعمالة للخارج و بالخيانة الوطنية .
9- لوحظ توظيف للنقابات المهنية في الدعاية للحزب الحاكم من خلال الإعلام الحكومي و الخاص.
لوحظ انعدام الإعلانات الانتخابية في وسائل الإعلام المرئي و المسموع نتيجة لعدم لقرار الحكومة السورية بحظر ذلك على كافة المترشحين
10- لوحظ ازدياد الاهتمام بوسائل الإعلام الالكتروني لدى المرشحين المستقلين نتيجة للانتشار و التأثير المتزايد لهذه الوسائل على المواطن السوري.
11- تم استخدام المباني الحكومية في الدعاية الانتخابية لصالح مرشحي الجبهة الحاكمة.
12- لوحظ استخدام التوظيف الديني و تسخير رجال الدين من مسلمين و مسيحيين و بعض الزعماء الروحيين للطوائف في الدعاية للحزب الحاكم و الجبهة الحاكمة و من أجل دفع المواطنين للمشاركة في الانتخابات .
13- تم رصد عمليات إتلاف لبعض اليافطات الانتخابية و صور لبعض المرشحين المستقلين .
14- لم تلتزم بعض وسائل الإعلام الخاصة و الالكترونية بفترة الصمت و نشرت إعلانات انتخابية لمرشحين مستقلين في يومي الصمت.
15- تجاوز بعض المرشحين المستقلين السقف المحدد للدعاية الانتخابية في حملاتهم الانتخابية.
16- تبين من خلال مراقبة وسائل الإعلام و استطلاع آراء مجموعة من الصحفيين عدم وجود خطة إعلامية خاصة بالانتخابات التشريعية لدى وسائل الإعلام الحكومي و الخاص بشكل عام.
17- لوحظ انخفاض في السوية المهنية في الصحف الحكومية التي تصدر في المحافظات بالمقارنة مع الصحف الحكومية التي تصدر في العاصمة دمشق.
18- بدت الصحف الحكومية التي تصدر في المحافظات السورية اقرب ما تكون إلى النشرات الحزبية الخاصة بالحزب الحاكم .
19- لوحظ اهتمام ايجابي من قبل وسائل الإعلام الخاصة و الحكومية في التوعية الانتخابية و تعريف المواطنين بحقوقهم الانتخابية و شرح اللوائح التنفيذية للعملية الانتخابية .
20- لوحظ اهتمام ايجابي بذوي الاحتياجات الخاصة و خصوصا المعوقين حركيا .
وقد قرر المركز السوري للإعلام و حرية التعبير منح الصحيفة الاسبوعية أبيض و أسود درع المركز التقديري لأفضل تغطية إعلامية للانتخابات التشريعية 2007 و ذلك لكونها أكثر وسيلة إعلامية من بين الوسائل التي خضعت للمراقبة قاربت المعايير الدولية للإعلام في فترة الانتخابات .
لتحميل ملف PDF يرجى الضغط هـنــا
أو متابعة صفحات الملف الظاهرة أدناه